ولد محمود السعدني في منطقة الجيزة بالقاهرة الكبرى و أرتبط بهذه المنطقة إرتباطاً كبيراً لدرجة أنك لن تجد كتاب للسعدني لم يذكر فيه الجيزة .
عمل السعدني في بدايات حياته الصحفيه في عدد من الجرائد و المجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد علي بالقاهرة و يصف السعدني تلك الجرائد بأنها " كانت مأوى لعدد كبير من النصابين و الأفاقين " و يضيف بأن صدمته كانت كبيرة فليس هذا هو عالم الصحافة ذات الجلالة الذي يحلم به .
إنتقل بعد ذلك للعمل في مجلة " الكشكول " التي أصدرها مأمون الشناوي و تتلمذ على يديه إلى أن أغلقت أبوابها. ثم عمل في عدد من الجرائد بالقطعه مثل جريدة " المصري " لسان حال حزب الوفد و عمل أيضاً في دار الهلال . كما أصدر و رسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية سرعان ما أغلقت أبوابها بعد صراع مع الرقابة و شركات التوزيع .
السعدني بعد ثورة 1952
أيد السعدني الثورة بكل قلبه، بالرغم من عدم معرفته لأهدافها في ذلك الوقت ، فقد كان يطمح إلى تغير الأحوال بعد المعاناة التي عاشها الشعب المصري في ظل الحكم الملكي ، كما أنه كان يعرف أحد قادة الثورة و هو البكباشي أنور السادات و الذي جالس السعدني و زملائة بضعة مرات في كازينو الجيزة.
عمل السعدني بعد بداية الثورة بفترة في جريدة الجمهورية التي أصدرها مجلس قيادة الثورة و كان رئيس مجلس إدارتها أنور السادات و رئيس تحريرها كامل الشناوي و أخرون . و قدم السعدني خلال الفترة التي قضاها في الجمهورية عدد من التحقيقات و الموضوعات المميزة كما سافر في مهام صحفيه إلى خارج مصر . و عقب انتقال السادات إلى رئاسة البرلمان المصري ، صدر قرار بالاستغناء عن خدمات محمود السعدني ، الذي لم يكن المفصول الوحيد ، بل فصل معه بيرم التونسي و عبدالرحمن الخميسي و عشرات من الصحفيين الأكفاء .و قد أشار الكاتب في احدى كتبه إلى أن فصله كان بسبب نكتة أطلقها على السادات
روزاليوسف
عقب قرار فصل السعدني من الجمهورية بأسابيع قليلة استدعاه إحسان عبدالقدوس للعمل معه في مجلة روز اليوسف الإسبوعيه كمدير للتحرير و كانت روز اليوسف ملكية خاصة في ذلك الوقت لوالدة إحسان السيدة فاطمة اليوسف .
و يصف السعدني الفترة التي قضاها بروز اليوسف بأنها كانت الأفضل في حياته ، كما يصف الجو العام في روز اليوسف بأنه جو إبداع مثالي فلا توجد صراعات في الدار و يعود السبب في ذلك لكون أصحابها هم من يديرونهابأنفسهم فلم يجد فيها المشاكل المزمنة التي تعاني منها الجمهورية . و عادت إلى السعدني روحه الساخرة و تمكن من إنجاز عدد من الكتب و المقالات المميزة .
زمن عبد الناصر
عقب زيارة صحفية قام بها السعدني إلى سوريا أثناء الفترة التحضيرية للوحدة بين البلدين ، حمَلَ أعضاء الحزب الشيوعي السوري السعدني رسالة مغلقة للرئيس جمال عبد الناصر و التي كانت تحمل تهديداً لناصر بالخروج على خطة السياسي إذا لم يفرج عن الشيوعين المصريين المعتقلين في سجونه ، و لم يكن السعدني يعلم بمحتوى الرسالة و قام بتسليمها لأنور السادات .
كانت نتيجة ذلك أنه تم اعتبار السعدني " شيوعياً " و تم إلقاء القبض عليه بعد فترة و قضى في المعتقلات قرابة العامين ، تنقل خلالها بين معتقلات القلعة و الواحات و الفيوم .
أفرج عن السعدني بعد ذلك ليعود إلى عمله في روز اليوسف و التي كانت قد أممت و تولي رئاسة تحرير مجلة صباح الخير .
و أنخرط السعدني في العمل السياسي حيث أنضم إلى التنظيم الطليعي وكما يقول عن نفسه واصفاً دوره السياسي في ذلك الوقت " إذا كان محمد حسنين هيكل هو سفير عبد الناصر للدوائر السياسية العالمية ، فقد كنت سفير لعبد الناصر لدى الشعب المصري في الداخل " و هذه المقولة توضح حجم دور السعدني في مصر بتلك الفترة .
و لقد كان للسعدني في ذلك الوقت شهرة و نفوذ كبيرين ، حتى ان بريد قرائة كان الأضخم بين جميع الكتاب العرب ، كما كان بإستطاعته إنجاز معاملات معارفه بمكامله تليفونيه واحده .
و قدم السعدني برامج للتلفزيون المصري كما قام بكتابة مذكراته الشخصيةو عدد من المسرحيات التي مثلت على مسرح التلفزيون .
مراكز القوى
عقب وفاة عبدالناصر حدث صراع على السلطة بين الرئيس أنور السادات وعدد من المسؤلين المحسوبين على التيار الناصري مثل شعراوي جمعه و سامي شرف و محمود فوزي و غيرهم . و إنتهى الصراع بإستقالة هؤلاء المسؤلين و اعتقال السادات لهم و تقديمهم للمحاكمة بتهمة محاولة الانقلاب و كان اسم محمود السعدني من ضمن أسماء المشاركين في هذا الانقلاب و تمت محاكمته أما " محكمة الثورة " و أدين و سجن .
و كما يقول محمود السعدني فإن القذافي حاول التوسط له عند السادات إلا أن السادات رفض وساطته و قال " أن السعدني قد أطلق النكات علىّ و على أهل بيتي ( زوجته جيهان السادات ) و يجب أن يتم تأديبه و لكني لن أفرط في عقابه " .
و بعد قرابة العامين في السجن أفرج عن السعدني و لكن صدر قرار جمهوري بفصلة من صباح الخير و منعه من الكتابة بل و منع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية حتى في صفحة الوفيات .
و بعد فترة قصير من المعاناة قرر السعدني مغادرة مصر و العمل في الخارج .
السعدني في المنفي
غادر السعدني مصر متوجهاً إلى بيروت حيث استطاع الكتابة بصعوبة في جريدة السفير و بأجر يقل عن راتب صحفي مبتدء ، و السبب في صعوبة حصوله على فرصة عمل هو خوف أصحاب الدور الصحفية البيروتية من غضب السادات .
قبل اندلاع الحرب الأهلية غادر السعدني إلى ليبيا للقاء القذافي و الذي عرض عليه إنشاء جريدة أو مجلة له في بيروت إلا أن السعدني رفض ذلك خوفاً من إغتياله على يد تجار الصحف اللبنانيين و الذين سيرفضون بالتأكيد هذا الوافد الجديد و الذي سيعد تهديداً لتجارتهم الرائجة .
و أثناء الحوار و بدون قصد سخر السعدني من جريدة القذافي الأثيرة " الفجر الجديد " و نعتها بالـ " الفقر الجديد " عندما عرض عليه القذافي الكتابة بها و انتهى لقائه معه بدون نتيجه و لم يبدي القذافي حماس كبير لإصدار مجلة 23 يوليو التي إقترح السعدني إصدارها في لندن بل سخر من فكرة إصدارها هناك كما لم يرق له إصدار مجلة ساخرة .
في أبو ظبي
في عام 1976 وصل السعدني إلى أبوظبي للعمل كمسئول عن المسرح المدرسي في وزارة التربية والتعليم في الإمارات ، ويبدو انه لم ترق له الفكرة ، لذا قبل بالعرض الذي تقدم به عبيد المزروعي وهو إدارة تحرير جريدة الفجر الإماراتيه.
كان العرض مقامرة سياسية جازف بها عبيد المزروعي بخاصة وان السعدني وضع شروطا مهنية قاسية اهمها عدم التدخل في عمله وهو الشرط الذي يبدو أنه تسبب بعد أقل من أربعة أشهر بمصادرة أحد أعداد جريدة الفجر من الأسواق بسبب مانشيت أغضب السفارة الإيرانية في أبوظبي وكان إيران يومها تطالب بالإمارات كلها وتعتبرها من "ملحقيات إيران". لذا لم تغفر سفارة إيران للسعدني رفعه شعار (جريدة الفجر جريدة العرب في الخليج العربي) وطالبت السفارة الإيرانية صراحة حذف صفة "العربي" عن الخليج لانه (خليج فارسي) كما يقولون.
تعاقد محمود السعدني مع (منير عامر) من مجلة "صباح الخير" القاهرية، ليتولى وظيفة سكرتير التحرير وليدخل إلى صحافة الإمارات مدرسة صحافية مصرية جديدة هي "مدرسة روزاليوسف" بكل ما تتميز به من نقد مباشر وتركيز على الهوية القومية والابتعاد قدر الإمكان عن التأثير المباشر للحاكم وصانع القرار.
حائر في الخليج العربي
بعد ضغوط إيرانية على حكومة الإمارت أضطر السعدني إلى مغادرة أبوظبي إلى الكويت حيث عمل في جريدة السياسة الكويتية مع الصحفي أحمد الجارالله و لكن تلك الضغوط لاحقته هناك أيضاً فغادر إلى العراق ليواجه ضغوط من نوع جديد ، و هي ممارسات الموظفين العراقيين المسؤولين في مكتب مصر بالمخابرات العراقية الذين مارسوا ضغوطاً كبيرة عليه لإخضاعه فكان قراره بعد لقاء مع نائب الرئيس العرقي في ذلك الوقت صدام حسن بمغادرة العراق إلى لندن .
مجلة 23 يوليو
بتمويل غير معلن من حاكم الشارقة الحالي تمكن السعدني بالإشتراك مع محمود نور الدين ( ضابط المخابرات المصري المنشق على السادات ) من إصدار مجلة 23 يوليو في لندن ( و كانت أول مجلة عربية تصدر هناك ) و التي حققت نجاحاً كبيراً في العالم العربي و كانت تهرب إلى مصر سراً . و إلتزمت المجلة بالخط الناصري و كان السعدني يتوقع أن تلقى المجلة دعماً من الأنظمة العربية الرسمية إلا أن ذلك لم يحدث و حوصرت المجلة مالياً من أنظمة دول ترفع شعارات عروبيه في الظاهر مثل العراق و ليبيا و سوريا ، و على حد تعبير السعدني " كان يجب على أن ارفع أي شعار إلا 23 يوليو لأحظى بالدعم " .
و إنهارت 23 يوليو و توقفت عن الصدور ، و عاد السعدني وحيداً يجتر أحزانه في لندن إلى أن إغتيل أنور السادات في حادث المنصة الشهير في 6 أكتوبر 1981 م .
العودة إلى مصر
عاد السعدني إلى مصر بعد اغتيال السادات بفترة و أستقبله الرئيس مبارك في القصر الجمهوري بمصر الجديدة ليطوي بذلك صفحة طويلة من الصراع مع النظام في مصر .
هناك 4 تعليقات:
حضرتك مش متخيل انا من أشد المعجبين بالكاتب محمود السعدنى أد إيه . انت وفرت عليا وقت طويييل فى اننا أبحث عنه حقيقى مجهود عظيم
ايه الحلاوةدي يا معلم
مجهود عظيم فعلا و مقدر
أحلى مجموعة كتب لأحلى كاتب لأحلى موقع
أشكركم شكرا جزيلا
اشكرك جدا على هذه المجموعة الطريفة من كتب الساخر محمود السعدنى
وعامة اشكرك على المكتبة الاكثر من رائعة والتى اصبحت مهلا لى فى الكتب
حيث لاتتوفر لدينا فى كثير من الاحيان النسخ الاصلة للكتب
الى الامام دائما يا د / احمد ماضى
إرسال تعليق